...وستتحد الأديان يوما ويتحد البشر حول أمنا مريم، لأنها أعطيت البشارة وحملت البشارة!
نعم إنه الاتحاد! الذي يمكن أن يكون بالمجاورة والتأليف كاتحاد الخشب بالحديد ليعطينا طاولة أو سريرا أو كرسيا، ويمكن أن يكون بالإرادة والمشيئة، أو بالكرامة والوقار... وصولا إلى الكمال بالمحبة، كاتحاد الثالوث الأقدس.
لا تتعجبوا من الاتحاد، ولا تخافوا منه. بل خافوا من الانقسام الذي ما زال يسيطر على عالمنا المعذب. إن الاتحاد هو مشيئة الله خالق الجميع، وهو إرادة السيد المسيح الذي صلى "ليكونوا بأجمعهم واحدا". وها هي مريم قد وحدت الأرض والسماء ووحدت المسلمين والمسيحيين.
البشارة في الإنجيل المقدس وفي ترتيب الفكر المسيحي هو أول الأعياد. بالبشارة المقبولة من مريم البتول، بحرية واتضاع، يبدأ تاريخ الخلاص بالمسيح يسوع. ولنتأمل بنشيد العيد فنفهم معناه: "اليوم بدء خلاصنا وظهور السر الذي منذ الأزل. فإن ابن الله يصير ابن البتول وجبرائيل بالنعمة يبشر".
وفي القرآن الكريم رُفعت العذراء إلى أسمى مراتب الشرف. "يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ." و"كذلك، قال ربُّكِ،... ولِنجعلهُ آيةً للناس، ورحمة منا، وكان أَمراً مقضياَّ".
نعم، مريم تجمعنا في عيد البشارة الذي تم إعلانه عيدا لبنانيا روحيا جامعا، ليس اجتماعا بروتوكوليا أو فلكلوريا أو واجبا اجتماعيا، بل إلى أبعد من ذلك بكثير، تلمّنا ببتوليتها وأمومتها، توحدنا بقداستها وطهارتها كما في الإنجيل كذلك في القرآن. إننا أمام عقائد مشتركة: البتولية، الطهارة، الحبل العجيب... تأملوا كيف أن الإسلام والمسيحية يؤمنان ببتولية العذراء وعجائبية ولادة يسوع له المجد. نحن هنا أمام عقائد مشتركة، وإني على يقين بأن العذراء ستوصل يوما المسيحيين والمسلمين إلى تفاهمات عميقة واحترام متبادل. بربكم ألم تبقَ الكنيسة منقسمة 15 قرناً حول شخص المسيح، ثم وجد المعنيون أن الخلاف إنما هو في الكلام وليس في الجوهر؟ .
مريم تدعونا أن ندخل إلى العمق، إلى مرحلة من الحوار العقائدي البناء الذي ما زال كثيرون يرفضونه من هنا وهناك، إما لخوفهم من خوض غماره، إما لعدم قناعتهم بنتائجه، إما لعدم إيمانهم... والله أعلم.
مريم تدعونا إلى الدخول معا في سر الله، بنفسية مستعدة لمحو الطائفية والسمو بالروح إلى عالم القيم الروحية والارتفاع بالعقل إلى الأبحاث العقائدية بعيدا عن التخوين والتشريك.
بالعذراء مريم سيتحول العداء إلى حشرية في المعرفة، وقبولا لما لا يصدق من عجائب الله، إلى أن تصبح أسماؤنا كاسم ذلك الذي عمده البابا بيوس الحادي عشر ودعي "يوحنا-محمد"، وسار على طريق القديس فرنسيس في الشهادة للحوار والمعرفة المتبادلة اللذين يوصلان إلى المحبة والوحدة.
إن مسؤوليتنا، ولا سيما في لبنان، أن نؤكد يوما بعد يوم أن لبنان رسالة، ولن ننجح إلا باتحادنا بعضنا ببعض دينا ودنيا، قلبا وقالبا.
يا أيها المسيحيون ويا أيها المسلمون امنوا بوحدتكم، ربوا أولادكم على البشارة، فتشوا معهم في كتبكم عما يوحدكم، فتشوا عن الرحمن وفتشوا عن يسوع. انتصروا باتحادكم، انتصروا بمريم! قولوا نعم لصوت الروح بتواضع وجرأة وستجدون طريق الاتحاد الصحيح...
آمنوا أن البشارة آتية، سيتردد صداها مع أصداء الأجراس وأناشيد المآذن معلنة إزالة الفوارق وداعية إلى الاحتفال بما يجمع واحترام ما يختلف ونبذ الخلافات والصراعات والاستعاضة عنها بأعمال الرحمة والبر. سترسخ فينا صورة جديدة من صور الوحدة، وتؤكد لنا أن الإيمان والأوطان إنما هي من أجل الإنسان لكي يعيش بحب مع أخيه الإنسان.
ادخلوا معا مدينة الله على جحش ابن أتّان بالتواضع والحنان، حاملين معا الورد والرياحين وأغصان النخيل والزيتون...
واعلموا أن ما ليس مستطاعا لديكم، عند الله مستطاع!
*رئيس دير روما للرهبانيّة المخلصيّة
*الايقونة كتابة الأب نداء ابراهيم مدير المحترف المخلّصي للايقونة-دير المخلّص جعيتا